الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن **
قوله تعالى: لم يبين هنا تأويل هذه الرؤيا، ولكنه بينه في هذه السورة الكريمة في قوله: ومن المعلوم أن رؤيا الأنبياء وحي. قوله تعالى: وقوله: واختلف العلماء في المراد بتأويل الأحاديث. فذهب جماعة من أهل العلم إلى أن المراد بذلك: تعبير الرؤيا، فالأحاديث على هذا القول هي الرؤيا، قالوا: لأنها إما حديث نفس أو ملك أو شيطان. وكان يوسف أعبر الناس للرؤيا. ويدل لهذا الوجه الآيات الدالة على خبرته بتأويل الرؤيا، كقوله: وقال بعض العلماء: المراد بتأويل الأحاديث معرفة معاني كتب الله وسنن الأنبياء، وما غمض وما اشتبه على الناس من أغراضها ومقاصدها، يفسرها لهم ويشرحها، ويدلهم على مودعات حكمها. وسميت أحاديث، لأنها يحدث بها عن الله ورسله، فيقال: قال الله كذا، وقال رسوله كذا، ألا ترى إلى قوله تعالى: وقوله: ويدل لهذا الوجه قوله تعالى: قال مقيده عفا الله عنه: الظاهر أن الآيات المذكورة تشمل ذلك كله من تأويل الرؤيا، وعلوم كتب الله وسنن الأنبياء ـ والعلم عند الله تعالى. قوله تعالى: ويدل لهذا ورود الضلال بهذا المعنى في القرآن وفي كلام العرب. فمنه بهذا المعنى قوله تعالى عنهم مخاطبين أباهم:
يعني: أنها غير عالمة بالحقيقة في ظنها أنه يبغي بها بدلًا وهو لا يبغي بها بدلًا. وليس مراد أولاد يعقوب الضلال في الدين، إذ لو أرادوا ذلك لكانوا كفارًا، وإنما مرادهم أن أباهم في زعمهم في ذهاب عن إدراك الحقيقة، وإنزال الأمر منزلته اللائقة به، حيث آثر اثنين على عشرة، مع أن العشرة أكثر نفعًا له، وأقدر على القيام بشؤونه وتدبير أموره. واعلم أن الضلال أطلق في القرآن إطلاقين آخرين: أحدهما ـ الضلال في الدين، أي الذهاب عن طريق الحق التي جاءت بها الرسل صلوات الله عليهم وسلامه. وهذا أشهر معانيه في القرآن. ومنه بهذا المعنى الثاني ـ إطلاق الضلال بمعنى الهلاك والغيبة. من قول العرب: ضل السمن في الطعام، إذا غاب فيه وهلك فيه، ولذلك تسمي العرب الدفن إضلالًا. لأنه تغيب في الأرض يؤول إلى استهلاك عظام الميت فيها، لأنها تصير رميمًا وتمتزج بالأرض. ومنه بهذا المعنى قوله تعالى: ومن إطلاق الضلال على الغيبة قوله تعالى: ومن إطلاق الضلال على الدفن قول نابغة ذبيان: فآب مضلوه بعين جلية وغودر بالجولان حزم ونائل
فقوله: مضلوه، يعني دافنيه. وقوله: بعين جلية، أي بخبر يقين. والجولان: جبل دفن عنده المذكور. ومن الضلال بمعنى الغيبة والاضمحلال قول الأخطل: كنت القذى في موج أكدر مزبد قذف الأتى به فضل ضلالا
وقول الآخر: ألم تسأل فتخبرك الديار عن الحي المضلل أين ساروا قوله تعالى: وصرح بعدم شعورهم بأنه يوسف في قوله: وهذا الذي ذكرنا أن العامل في الجملة الحالية هو قوله: {لَتُنَبِّئَنَّهُم} أي لتخبرنهم {بِأَمْرِهِمْ هَـذَا} في حال كونهم {لاَ يَشْعُرُونَ} بأنك يوسف هو الظاهر. وقيل: إن عامل الحال هو قوله: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ} وعليه فالمعنى: أن ذلك الإيحاء وقع في حال كونهم لا يشعرون بأنه أوحى إليه ذلك. وقرأ هذه الآية جمهور القراء {غَيَابَةِ الْجُبِّ} بالإفراد، وقرأ نافع "غيابات الجب" بصيغة الجمع، وكل شيء غيب عنك شيئًا فهو غيابة، ومنه قيل للقبر غيابة، ومنه قول الشاعر: وإن أنا يومًا غيبتني غيابتي فسيروا بسيري في العشيرة والأهل
والجمع في قراءة نافع نظرًا إلى تعدد أجزاء قعر الجب التي تغيب الداخل فيها عن العيان. واختلف العلماء في جواب "لما" من قوله فقيل: هو مثبت، وهو قوله: وقيل جواب "لما" هو قوله: {أَوْحَيْنَا} والواو صلة. وهذا مذهب الكوفيين، تزاد عندهم الواو في جواب "لما" وحتى، "وإذا" وعلى ذلك خرجوا قوله تعالى:
أي لما أجزنا ساحة الحي انتحى. وقيل: جواب "لما" محذوف، وهو قول البصريين. واختلف في تقديره. فقيل: إن تقديره فعلوا به ما فعلوا من الأذى. وقدره بعضهم: فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب عظمت فتنتهم. وقدره بعضهم: فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب جعلوه فيها. واستظهر هذا الأخير أبو حيان. لأن قوله: أما الذين لهم تعلق بتلك الواقعة فهم: يوسف، والمرأة، وزوجها، والنسوة، والشهود. أما حزم يوسف بأنه بريء من تلك المعصية فذكره تعالى في قوله: وأما اعتراف المرأة بذلك ففي قولها للنسوة: وأما اعتراف زوج المرأة ففي قوله: وأما اعتراف الشهود بذلك ففي قوله: وأما شهادة الله جل وعلا ببراءته ففي قوله: قال في الفخر الرازي في تفسيره: قد شهد الله تعالى في هذه الآية الكريمة على طهارته أربع مرات: أولها ـ والثاني ـ قوله: {وَالْفَحْشَاء} أي وكذلك لنصرف عنه الفحشاء. والثالث ـ قوله: والرابع ـ قوله: {الْمُخْلَصِينَ} وفيه قراءتان: قراءة باسم الفاعل. وأخرى باسم المفعول. فوروده باسم الفاعل يدل على كونه آتيًا بالطاعات والقربات مع صفة الإخلاص. ووروده باسم المفعول يدل على أن الله تعالى استخلصه لنفسه، واصطفاه لحضرته. وعلى كلا الوجهين: فإنه من أدل الألفاظ على كونه منزهًا عما أضافوه إليه. اهـ من تفسير الرازي. ويؤيد ذلك قوله تعالى: وأما إقرار إبليس بطهارة يوسف ونزاهته ففي قوله تعالى:
|